الإنحلال الإشعاعي (Radioactive Decay)

الإنحلال الإشعاعي (Radioactive Decay)
التأريخ الكربوني (Carbon Dating)

Submitted by Terry Nasser link

في كل مرة يجد علماء الآثار أحافير معينة فإنهم يعلنون عن الفترة التي دفنت فيها هذه الأحافير، فكيف عرف العلماء أن أداة معينة صنعت من الصخور تعود إلى 3.4 مليون سنة؟ أو أن الديناصورات عاشت على الأرض قبل 160 مليون سنة إلى 65 مليون سنة؟ أو مثلا كيف عرف العلماء أن الأرض عمرها 4.5 مليار سنة؟

التأريخ الكربوني (Carbon Dating)

أحيانا يكتشف علماء الآثار أو الأركيولوجي بعض الجماجم التي تعود إلى الآف السنين في الماضي، العلماء يستخدمون عدة طرق للوصول إلى التواريخ الصحيحة، ومنها مثلا التأريخ الكربوني.

لنتعرف على الفكرة من البداية، تطلق الشمس أشعتها ناحية الأرض باستمرار، وهذه الأشعة تمر في الأجواء، ثم تتصادم مع النايتروجين، فتغير النايتروجين-14 إلى كربون-14، فتصبح المادة مشعة، تمتزج مادة الكربون-14 مع الأكسجين لتكون ثاني أكسيد الكربون المشع، الكثير منه يذوب في البحار، وبعضه تمتصه النباتات في عملية البناء الضوئي، ثم تقوم الحيوانات بأكل هذه النباتات، فيأتي بعد ذلك الإنسان ليأكل النباتات والحيوانات، بذلك يدخل هذا الكربون المشع إلى جسم الإنسان، ولكن طبعا بكميات ضئيلة جدا.

صحيح أن الكربون المشع الموجود في جسمك يتحلل، ولكن أنت تحافظ على كمية الكربون المشع في جسمك بسبب استمرارك في الأكل، ولكن بعد وفاة الشخص تتوقف عملية إدخال الكربون المشع إلى الجسم، فيبدأ الكربون المشع بالإضمحلال من الجسم تدريجيا، وبتوقيت دقيق، وبعد 5730 سنة يتحول نصف الكربون-14 الموجود في الجسم إلى نيتروجين-14، وهكذا يقل تدريجيا إلى أن ينتهي بعد 60,000 سنة تقريبا، لذلك حينما يأتي العلماء إلى الجماجم لأخذ القياسات، يقومون بقياس كميات الكربون-14 إلى الكربون-12، وباستخدام قوانين رياضية يمكنهم بسهولة حساب عمر الجمجة التي وجدوها في الأرض.

التأريخ الكربوني يصلح لمعرفة عمر الأمور التي لا يتعدى عمرها الـ 60 ألف سنة، ولكن ماذا عن الأشياء التي عمرها يتعدى هذه المدة؟ ماذا عن 50 مليون سنة؟ هنا تدخل النظائر المشعة الأخرى في الموضوع، بعض المواد المشعة الأخرى التي لها نصف عمر أكبر من الكربون-14، وهناك مواد أخرى لم أذكرها وهي أيضا مشعة ولها أنصاف أعمار مختلفة، باستخدام هذه المواد يمكن للعلماء أن يعرفوا عمر الأشياء القديمة جدا، لا يخفى عليكم أن عمر الأرض هو 4.5 مليار سنة، وفيها الكثير الذي يعود إلى بدايات تكون الأرض، وأخرى إلى أيامنا هذه، فحينما يجد العلماء بعض العظام المدفونة في الأرض فإنهم يأخذون عينات من الصخور أسفل وأعلى تلك العينات، ثم يقومون بتحليل المواد المشعة فيها، من وخلال عمر هذه الصخور المحيطة بهذه العظام يمكنهم معرفة عمر العظام لو كانت أقدم من 60,000 سنة، فمثلا، الديناصورات تعود إلى 160 مليون سنة إلى 65 مليون سنة، بدراسة الصخور المحيطة بها يمكن معرفة عمر عظامها.

الإنحلال الإشعاعي (Radioactive Decay) 

في سنة 1896 اكتشف العالم هنري بيكاريل (Henri Becquerel) الإشعاعات الصادرة من اليورانيوم، وفي 1898 بدأت طالبة بيكاريل وهي ميري كيوري (Marie Curie) بالعمل على الإشعاعات، وطورت هذا المجال بشكل كبير وحتى أن المصطلح: “النشاط الإشعاعي” (Radioactivity) هي التي صاغته، ولتطويرها لهذا المجال حصلت على جائزة النوبل في سنة 1903، ثم اكتشفت مادة مشعة أخرى أسمتها بالرايوم (Radium)، وهذه المادة شديدة الإشعاع، إلى درجة أن إشعاعاتها تفوق إشعاعات اليورانيوم بمليون مرة لنفس الكتلة.

وفي خلال فترة طويلة من حياتها قضتها ميري في محاولة لاستخلاص مادة الراديوم من كتلة تعادل الطن من اليورانيوم الخام، وحصلت على عُشر غرام من الراديوم فقط (تخيل أن عندك مليون دولار من الورق – فعلا، المليون يزن طن تقريبا – كل ورقة من فئة الدولار، واعتبرت أن هذا هو اليورانيوم، لكان عدد الدولارات من الراديوم في المليون ورقة هو عشر الورقة الواحدة، أي تحتاج لأن تقطع الدولار إلى 10 أجزاء بالمقص، وسيكون الراديوم واحد من تلك الأجزاء) . بالإضافة لاكتشافها لمادة الراديوم اكتشفت أيضا مادت بولونيم (Polonium)، وحصلت على جائزة نوبل أخرى لاستخلاصها للرايدوم في سنة 1911، لتكون أول إمرأة تحصل على جائزة النوبل، وأولهن للحصول على جائزتين.

توفيت ميري كيوري في 1934، ووفاتها كانت من جراء فقر الدم (Aplastic Anemia)، وذلك بسبب تعرضها للنشاط الإشعاعي لفترة طويلة من حياتها، وحتى أن أورقها العلمية التي نشرتها في المجلات العلمية وحتى كتاب الطبخ التابع لها أصبحوا مشعين بدرجة أنه من الخطر نقلهم يدويا. كل ذلك بسبب ما سيمى بالإنحلال الإشعاعي للمواد المشعة.

وما معنى الإنحلال الإشعاعي؟

هناك مواد كثيرة في الطبيعة تسمى بالمواد المشعة، تكون فيها ذرات هذه المواد غير مستقرة، وبسبب عدم استقرارها تطلق أنويتها جسيمات، فتتغير هذه الذرات إلى مواد أخرى أو نظائر أخرى، وتسمى هذه العملية بالتحول النووي (Nuclear transmutation)، فإما أن تتغير خصائص المادة كيميائيا، أو تتحول إلى نظير للمادة، فمثلا مادة البوتاسيوم – 40 (Potassium-40) وبسبب انطلاق جسيمات من أنويتها تتحول إلى مادة الآرجون (Argon-40).

لأوضح أكثر، مادة الكربون تأتي على عدة أشكال: كربون-12، وكربون-13، وكربون-14، هذه تسمى بالنظائر (Isotopes)، والفرق بينها هو ما هو موجود في نواة كل هذه الأنواع من الكربونات، فكل منها يشترك مع الآخر بعدد البروتونات والإلكترونات في الذرة، ولكنها تختلف في عدد النيوتروات، فأنوية ذرات الكربون-12 تحتوي كل منها على 6 برروتونات، و6 نيوترونات، أما الـ 13 تحتوي على 6 بروتونات و7 نيوترونات، أو الـ 14 وهي مادة مشعة، وتحتوي أنوية ذراتها على 6 بروتونات، و8 نيوترونات، ولعدم استقرارا مادة الكربون-14 تتحلل إشعاعيا وتطلق إلكترون ونيوترينو مضاد، وتتحول ذرة الكربون إلى مادة أخرى وهي النايتروجين-14.

حينما تكون لديك مجموعة من الذرات المشعة، لا يمكن لك أن تعرف أيا من الذرات سينحل، وقد أثبت العلم ذلك علميا (وهذه نقطة مهمة سأتطرق لها في حلقة قادمة، وأتحدث عن قطة شرودنجر)، ولكن يمكنك باستخدام نظريات الإحتملات أن تعرف معدل عدد الذرات التي ستنحل من مجموع الذرات كلها، فمثلا، لو أن عندك عملة معدنية، ورميتها في الجو لتسقط على الأرض، لن تعرف على أي الوجهين ستنزل بالتحديد، ولكن لو أنك رميتها مليون مرة، وأحصيت عدد المرات ظهر فيها الوجه الأول، وعدد المرات التي ظهر فيها الوجه الآخر لوجدت أنها متساوية، وذلك أنها 50% لكل وجه.

هكذا هو الحال في المواد المشعة، قدر العلماء فترة عمر النصف للهذه المواد، أي الفترة التي تحتاج فيها المادة لأن يتحلل فيها نصفها، فمثلا الكربون-14 يحتاج إلى 5730 سنة حتى يتحلل نصفها، ثم إلى 5730 سنة حتى يتحلل نصف النصف المتبقي، و5730 سنة حتى يتحلل نصف الربع المتبقي، وهكذا، تخيل لو أن عندك تفاحة، ووضعت هذه التفاحة الطاولة، لنقل أن بعد ساعة من الزمان سيفسد نصف التفاحة، ولو أنك قطعت هذا النصف وتركت النصف الآخر لمدة ساعة أخرى سيفسد نصف النصف المتبقي أو ربع التفاحة، ارمي بذلك الربع، سيبقى ربع، بعد ساعة أخرى سيفسد نصف الربع ويبقى النصف الآخر، وهكذا، طبعا هناك ملاحظة وهي أن فساد التفاحة لا يتأتي على نصف ويترك نصف، بل الفساد ينشر خلال التفاحة، ثم إن التفاحة لا تفسد بنفس طريقة تحلل المواد المشعة، بالنسبة للمواد المشعة، التحلل ينتشر في جميع أنحاء المادة، وفي كل عدد من السنوات معين يتحلل نصفها ليبقى النصف الآخر. وبعد تقريبا 60,000 سنة في حالة الكربون-14 لن يبقى أثرا للمواد المشعة.

وهكذا بالنسبة للكثير من المواد المشعة، ولكن باختلاف العمر النصف لتحلل هذه المواد، فمثلا مادة اليورانيوم-234 (Uranium-234) عمره النصف هو 245,500 سنة، قارن هذا مع الكربون-14 والذي هو 5730، أو مثلا مادة البوتاسيوم-40 يتحلل نصفه بعد مرور 1.3 مليار سنة، أو مثلا مادة الروبيديوم-87 والتي تحتاج إلى 50 مليار سنة لكي تتحل إلى النصف، وأطولها عمرا هو الساميريم-146 (Samarium-146) يحتاج إلى 106 مليار سنة حتى يتحلل نصفه، وذلك أكبر من عمر الكون كله بثمان مرات، رقم مهول فعلا.

هذا المنشور نشر في Science. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق